ديوان : النزول من شجرة العائلة


النُزول من شجَرةِ العائِلة
مصعب الرمادي


النزول مِنْ شجرةِ العائلة
__________________
 الكتاب : النزول من شجرةِ العائلة  
الكاتب : مصعب الرمادي
تاريخ الطبع : يوليو 2002م
حقوق الطبع والتأليف محفوظة للمؤلف
____________________________
"كنعجةٍ سيق إلي الذبح

هكذا لا يفتحُُ فاه في ذلةٍ أنُكر عليه حقا
ترى من يصف ذريته لأن حياته أزيلت عن الأرض"
أعمال الرسلالكتاب المقدس
_________

1
نسخةٌ واحدةٌ لأصول عديدة
يتشعب الكون = نلتقي .
جائع للحقيقة ؛
جدولاً يتقدم مملكة الروح والريح
فأنطلق صوب أصل البداية – أفق النهاية
سوي فراغ العدم ! .
...
وحدهم يرسمون لك الخلق
يقبضون أرواح المرايا
(=فيا خالقي ؛
أنت أعطيتنا كل هذا النزوح ؛
في السريرة والذاكرة. )
وحدهم يطبخون وليمة الأبد
فكيف عاشوا ؟!،
كيف مدوا خيول مداهم ؛
أطلقوا مناطيد اصغائهم
للهواء الطليق ؛
للنهر الجامح
ووصف الطبيعة!.

عصورٌ خلت
وعصورٌ ستأتي
وهم يحملون أوزارهم
يشحذون شفرات المدى والفؤوس
يطاردون وعول المطلق اللامتناهي ؛
ويعتزرون لصروف الحياة الضنينة .
هنالك في كهوف المغارات
قبل أن يولد كل شي
في العتمة الاخرى والضوء السائل ؛
على أصبعين في كفه – سموه الكامل
"
كن - فيكون"
كان الوجود قنينة حبر
فأدلق "الكلمة" سطورا عارية
في كتاب الحياة !
وانظر : له إنسانك الأول
يؤنسن "الحجر" ويستنأنس "الحضارة".
كان هناك:
ثمة "ديناصورٍ" عجوزٍ يتثاءبُ
فوق شجيرة بلوطٍ عالية
وعلى بركان خامد ؛ يرتع دخان اخضر
و"الأرض" – مركز الرؤية
ملوثة برائحة الدم
وفتنة الجغرافيا .

2
كل شيء معد هنا لخروج "الجنازة" ؛
لسيناريو الصعود المقدس / الصلاة الأخيرة
على الغائب الغفل = طفولة العالم !.
لديك لهم وردة الجمر الشهية ؛
جوقة المنشدين الأوائل –قُداس الآمل
ولديهم لك : نطفٌ تتخلق في رحم الغيب
كوكب يتهيأ ليجادلك
"
رجل "وامرأة " يصنعان بيتاً؛
آجراً واطفالاً ودخاناً وملائكة
يدخلون من الباب ولا يخرجون
-"
اللهم صلي على النبي "
كن على إثرهم في "المودة " و "الرحمة "
واسترق السمع
يشق "المياسم " "حبوب اللقاح "!.
اطرح في لكون ثمار دمي : غيمة او كتاباً
واتفرق دمعا "في الثياب " .
حولك تنشظي نار "القبيلة "؛
تصير "الوشائج " رحما ولودا
وتكون "العائلة " !. 

3
الأرض ُسريركَ
وغطاءكَ الآمنُ فيما بعد !
أناّ ذهبت : رأيتكَ
اشهد أني ..............
فلا تحدثني عن "البيت " ثانية !

لا عائلة لكلا سقف
تملك وحدك مملكة "الزرقة " ؛
بحرك المغاير للغير ؛
وليل الغرباء الخصوصي !
وطنك / العالم
مسجوناً خلف قضبان الجسد/ الفكرة
وجهتهك : الشمس المنيرة
وضالتك : الإنسان !

هكذا أنت
منذ أن اخترتك خليفة لهذا العالم ؛
نافذ ة خضراء : لقمر ماحق لايدوم :
(..أنكرتك "المدينة "
قبل صياح الديك ثلاث مرات؛
ناصبك الأخرون العداء
ولفظتك الجهات !.(

هكذا لك وحدك
لم يقل زرداست : كل الحقيقة ؛
قالت لك صحف الأولين : تجلد
فانتظرت مهبط الوحي
انتظرت مقدم الأنبياء!.

أعطت لك "النار " شارة"النور "
توحدت في العمق ؛ ثم تجليت
-
لا اله الا الله
اهورا شعلة الروح
ومازدا شهوة المادة .. تحدّرت ؛
في التأمل والقراءات : اكتب
هيئ اللحظة للكشف ؛
اعتق "الشجرة " من عود الثقاب"
اعتق شهوة العودة للاصل
واعتقد بعدها في "الخليقة " كيف شئت !
...
لك وحدك هكذا
تخلع "الأسئلة " الحارقة قميص أسرارها
تتوجك "الكلمة " : إمبراطورا – عاشقا
على منفى "اللغة " / "بيت المعرفة "
متسولا تعبر قوس الرؤيا
ولا جواب !.
وعلى قلق وشهية فاتحة
يصبح جرحك وردة من كثرة الرصد ؛
تنبأ بالطلع ؛ وعليك شبهة
من الحكمةخمرة الرب !
عليك شجن فاغم لا يريم
فاشرب نخب "كونفو شبوس " وبوذا ؛
...
هي الارضحواءك الاولى ؛
وقد هصرت جنتك
سريرك الذي يشتهي
غواية "الانثى "
وغطاءك الآمن أيضا !.

4
")
صباح الخير "
يا "نوح " اهبط انت وذريتك
:
اليابسة !(
...
اسم ومُسمى ... هكذا عدت !
ولم يحن بعد دورك ؛
فرّوض الفُلك كما تعودت
واصعد "مركز الهاوية " !.

أُسميك : رؤية نومي العظيمة !.
فيا جودي : خذ ؛
ويا سماء : اقلعي !,
ويملكُ : غير هذا السديم
تملكُ : مجدهُ الزَّائف – أفق النهاية / الجبل
أملكُ . دم "سام " و "حام" و " يافث "
افرنقوا ؛
على السحن والألسن واللهجات .
هكذا عدت
حذر الموت – تعد ضلوعك ؛
وتتلوى على الخلق
سورة البلبلة .
...
-
تعارفوا !.
قبل "الطوفان " أم بعده
يسهل الصعب
عالم : يتأسس فوق رماد القطيعة
وعالم اخر : يتقوض !.
...
")
مساء الخير " يانوح "
هكذا عدت ،
ولم يحن بعد دورك
فانتظر "بعثك " التالي
والسلام عليك
السلام عليك !.

5
هل المحبة ثمرةٌ كالتوتِ
في شجرة العائلةْ ؟!
هل لها أصلٌ ثابتٌ في الارض
وفروعٌ باذخةٌ
في قرون السماء ؟!
من تراهما
هذان اللذان صعدا
قبلنا اليها ؟!
من تراهما ؟ من ؟!
...
أبصري للشجرة
ولا تنظري للعائلة !.
كم هي أغصان متشابكة
تقود إلي أغصان متشابكة
تقود إلي فروع متشابكة
تقود إلي أوراق ذابلة
تكنسها رياح "الخريف "
فتزوي فنزوي !.
...
هل أحب جدي جدتي ؟
أم أنها – وقتها لا غُبار عليها
ولودٌ ؛ جميلةٌ
ذات خلق ودين
واصل كريم ؛
والعمر يمضي ولا شي يمنع
أن يدخل " الحب " فيما بعد من النافذة
لاشيء يمنع !.
هل المحبة
ثمرة كالتوتِ في شجرة العائلة ؟!.
الأسئلة ... الأسئلة ... الأسئلة
والليل مغارةٌ مالها حد !.

6
تذهب "العائلة " للسوق ؛
تكتري جعة من نبيذ الخيانة
رغبة لتحقيق اواطارها
ثم تعود الي بيتها غانمة ،
تشغلها نزوات النساء الخاطئات
يختلفن مساءاً لمضاجع عشاقهن ؛
يصعدن السلالم في "الحمل "
فلا يحبلن  الا بالموت والسرطان .
-
تقول لك "المرأة " أو تكون !.
-
لا فرق !.
فاذهبوا " للأساسي " إذن
تنضج "الفكرة "؛
تنسج "المعاني " خيوط نولها
وتتناسل الترهات :
)
إننا أبناء عمومةٍ و خؤولة
أهل ٌ؛ أقاربٌ ؛ومعارف ......الخ)
شدما افتقد "الجذع " اذ اتصدع
ارجع بخيالاتهم القهقري
أسوي الخلاف وأسوس الخصومات
واحمل عبء وجودي لدفء العشيرة والقبيلة !.
...
العرق دساس
غير أني / سواي
وحدي اقلب البومها :
صورا وبيوتاً وأسرارا !.
...
على النار تنضج النزعات
كلما اقبلت امة
من مروج الحنين
لعنت أختها !
ألقت بالسلام عليها ؛ ومرت .
فها أنا ذا اخلي "القطيع " ورائي ،
 اقطع لتاج الخلافة وعدا رحيما
وأهيم في التيه كشاة قاصية !.
وحدي كنت أحملُ عبء "المعري "
إذ أحدق في كثير من "الخلق "
ولكن غالبا –يا سادتي : لااراهم!.

7
أوديب = قصة الإفك
قطار الخطيئة :
يعوي على درج الزمن الذهبي
يضيق ... ثم لا يلقى باحد !.
"
طيبة " ليست مداخل " يثرب "
ولا الهول مختلفٌ عن الهول !.
أغفر :
- )
ترى ما أنا فاعلٌ بكم ؟! (
هو ذا "الجسد "
طاعون "الخيانة " ؛ وخزانة "الاثم "
يدرك "ابن سلول "
خفة " الهودج " ودمعة عائشة "
يغفر !.
)
ذاك قسمه فيما ملك
تفقأ العين بعام الرمادة
والنبؤة ذئبٌ جائعٌ
يتقمص روح الفريسة !.)
اقترب ... تحترق
يكتشف فداحة ما قد ورثناه
ثمار محرمة قد أينعت
من شجرة العائلة !.
فنتظر :
عودة ابنك الضال
عقدة الابن = الحبيب / الملك !
...
على "مسرح العبث "
تشهد "جوكاستا "
تر جديا الصراع الدنس ؛
ويك "سوفكليس" /المعاصر
"
انظر وراءك "
ولكن بغضب ! .

8
إخوة في التراب !.
...
اقدح نار الفرائس
في الكون !.
قربانك :الزمن المستعاد ؛
وقرباني :الغد !.
اعلن أنك : صوتي = النقيض
رمح دمي الملتهب
أتوهج في بدن الثأر "
وأقتلك ! .
...
-"
فتش عن المرأة !.
صار لنا " جسدٌ " واحدٌ
في الغياب .
وفي البدء ..
كان "هابيل"
منشغل بالحقل / فيك !.
و "قابيل " من لفحة الغيظ
يتقلب في جمره المنطفيء
و "الغراب " .
سوءة أخي / أنا : قاتلا – وقتيل
...
أخوة في التراب ونموت !.

9
افقٌ مغلق ٌ
تتعلم "العيش "؛
تحت ظروف غريبة !.
دون خلٍ أو رفيق
نموذجك "التيه " – تنكشف
...
تكون الأخير الذي
سيرتب هذا الفضاء / الخواء
الخليق بمجادلة الريح والكائنات
أشرق : فأشرقت
كنت فارس عزلتك الصب
أنيس الزمان المبدد كالنرد
على طاولة الوقت .
"
عصر" فرسانك " غار !
وأنت "دون كشوت – الآخر
ذاهبٌ لمنازلة الليل /طواحين الهواء
(يقفز في العتمة نمرك الذهبي
وثورك المجنح يركض
في خزف الضوءالإشتباه!).
وبابك الموارب : لواقعٍ مهشم .
أشرق : فأشرقت
انقطع الوحي؛
فأتركهم وراءك ظهرك
هولاء البعيدين يتنحنحون في سماءك -
عند عبور ك فيهم -
ويتهجون في ألواح "السدرة ":اسمك !.
...
ثمارٌ ناضجةٌ
والسماءُ جحيمٌ تنفتحُ مزاريبها عليك
وأنبلُ الفرسان القادمينِ من الفجر – يناديك
فالنزال النزال النزال  .
 
قِردٌ على الشِّباك 
 إلى / الصَّادق الرضي على طريقته
 
قردٌ على الشباك
ينظر إلى النيل
إلى انعكاس الدم
يتساءل عن السلالات
عن أصل الإنسان
الذي يضحك على نفسه
بين الكتب والأوراق.
 

الغراب ينعق فوق الرأس
الأفعى تلتف بين الجذور
الفتنة الصاعقة تهبط
تسقط على شوارع الخرطوم
على الورق
على كلمات الترجمة
على شهوة الشعر.


الديناصورات تعبر الغابة
الزواحف تترك آثار مخالبها
الطيور الأولى تحاول الطيران
الجمال والدمامة يتشابكان
القبح يضحك في الظلال
والشاعر يراقب من شباكه
كل شيء يتحول إلى جنون.


الدم يتدفق على الصفحات
كل سطر قبلة
كل كلمة ضربة
الاقتصاد والفن يتشابكان
القانون يراقب
والجسد يصرخ
والشاعر يضحك.


الترجمة عملية ولادة مشوهة
التعريب جنس بين الكلمات
القرد يكتب على الطين
الغراب يراقب
الأفعى تعض الخيال
والشاعر يضع فمه في كل النصوص
يمتص الفتنة الحسية.


الشجرة القديمة تتكلم
الجذع يصرخ باسم السلالات
الفرع يحرس الدم
الأوراق تهمس بالقبح
الطيور تراقص الظل
والشاعر يتسلق الجذع
يبحث عن أصل الجمال.


الفتنة الصاعقة تمر عبر الأجساد
تلامس العقل المادي
تفتك بالقوانين
تجرّ الفن والاقتصاد في الشوارع
الدمامة تبتسم
والقبح يفتح عينيه
كأن العالم كله مسرح للجنون.


القرد على الشباك
يغني للأنواع
للدماء
للطيور والزواحف
للديناصورات
للغراب
للأفعى.


الجامعة تصبح غابة
الكتب عظام
المكتبة ككهف
والشاعر يمارس الطقوس
بالترجمة والتعريب
بالهز والفكاهة
بالجنون والشتائم الحسية.


النيل يعكس كل شيء
الورق يبتلع الألوان
الأصوات تهتز
القبح والجمال يلتقيان
الفتنة تنفجر
والشاعر يكتب بخفة الدم
وبحجم الظلال.


الدمامة تتراقص
القبح يشعل النار
كل قبلة اختبار
كل حركة ثورة
الشاعر يصرخ
والغابة كلها صدى
والقرد يغني من شباكه.


الفن يتشابك مع القانون
والاقتصاد يراقب الجسد
الترجمة تلد نصوصًا شهوانية
التعريب يعيد إنتاج الفتنة
الغراب والأفعى يراقبان
والشاعر يضحك
على كل شيء.


في النهاية، كل شيء انفجار
الدم والجمال والقبح والفتنة
كلهم يرقصون فوق النصوص
القرد على الشباك يصرخ
الغراب ينعق
الأفعى تلتف
والشاعر يبتسم .

أصل العائلة
I
حين كانت الأرض تبتلع براكينها، كانت الديناصورات تدهس الغابة البدائية، والزواحف تترك آثار مخالبها على الطين الغض. فوقها كان الغراب الأسود يحوم كحارسٍ مبكر للموت، ينعق كأنه يدوّن أول نسبٍ للعدم. العظايا العملاقة لم تكن تعرف سوى أنيابها، وكانت الطيور الأولى تحاول أن تفهم كيف يكتب الجناح شجرة نسبه في الهواء.

II
الأم الديناصور كانت تدفن بيضها بين جذور شجر الباوباب وأشجار السرخس، وتتركه للرياح. لم تكن تعرف معنى الحضانة، لكنها أسست أول وهمٍ: أن البقاء يمكن أن يُوكَل للصدفة. ومن ذلك الهجر وُلدت الحكاية: أن النسب ثمرة بيضة منسية في الرمل، لا من رحمٍ حنون.

III
التنين بأجنحته، يطلق النار فوق وادي الزواحف، بينما الأفعى تزحف بين الصخور لترسم خطًا متعرجًا كأنه أول شجرة عائلة مكتوبة في الرمل. كان اللهيب ميراثًا، وكان السم نسبًا، وكلاهما يورّث أكثر مما يهب الحياة.

IV
في المستنقعات حيث تنام العظايا المائية، كان المدّ والجزر يصنع نسبًا مائيًا، لا يعرف الحدود ولا الأسماء. الطيور المائية تحاول أن تحفظ نسلها فوق أعشاشٍ من القصب، لكن الذئب البدائي يأتي ليهدمها ويعلن أن القرابة قوة أنياب، لا عهد دم.

V
حين كثرت الأنياب، جاء المفهوم الأول للملكية: ما تحت مخلب الذئب أو ناب الديناصور هو إرث، وما يخرج عن أنيابه يصبح غريبًا. من هذا الصراع بين الضواري خرجت القبيلة الأولى، تتقاسم اللحوم كما تتقاسم الأحلام عن خلودٍ مزعوم.

VI
العائلة في بدايتها لم تكن سوى قطيعٍ مذعور، الذئب يحاصر أطرافه، والغراب ينعق فوق رؤوسه، والأفعى تلتف حول صغاره. كان الخوف هو الرابط الوحيد بينهم، ورثوه كما ورثوا الأرض والليل، حتى صار الدم مجرد عقدة رعب تنتقل عبر الأجيال.

VII
حين اشتعلت النار الأولى بين جذوع السنديان والصنوبر المتساقط، التفّت الزواحف حول اللهيب تبحث عن أمانٍ. النار لم تكن للطهو فقط، بل لرسم الحدود: هذا الدخان لنا، وتلك الظلال لغيرنا. ومن هنا صار اللهيب أصلًا لعائلة تتشارك الحراسة أكثر مما تتشارك الحنان.

VIII
مع الحجر المسنون، كان الذئب يُذبح ليصبح فروه ميراثًا، وكان الغراب يقتات على بقايا القطيع. الزواج وُلد من هذه الدماء، من الغزو لا من الحنان. المرأة شجرة نخيل منزوعة الجذور، تُزرع في أرض جديدة لتؤكد انتصار الذكر حامل السكين.

IX
في المقابر الأولى، بين شجر الأكاسيا وأعشاب الطلح، دُفنت العظام جنبًا إلى جنب: عظام ديناصور بجوار عظام بشر بدائي. لكن الغراب كان أول من ميّز: يأكل من هذا ولا يقترب من ذاك. في الموت بدأ النسب يتمايز، كأن الموت يحتاج إلى أشجار أنسابٍ ليفرق بين الهياكل.

X
حين حفر الإنسان على الصخور صور الطيور والذئاب والتنانين، لم يكن يرسم الفن بل يكتب سجلًا وراثيًا. الحرف جاء من الرغبة في تأبيد الشجرة، كي لا يسقط غصنٌ منها في هوة النسيان. صار الحرف قيدًا، كما لو أن الأفعى التفت حول عنق الروح.

XI
العائلة ليست دفئًا، إنها قفصٌ من مخالب. كلما برز اسمٌ في الشجرة، برز ناب يهدد الخارج من ظلها. وكأن الذئب البدائي لا يزال يسكن في فروعها، ينهش من يجرؤ على النزول منها إلى الغابة الموحشة.

XII
العاشق لم يكن شاعرًا، بل صائدًا. كان يختطف أنثى من قبيلة أخرى كما يفعل الذئب حين يسرق جروًا من وكرٍ منافس. وهكذا تأسس الزواج على الدم والنهب، وصار الطفل برهانًا على النصر، أكثر من كونه ثمرة حبٍ بين قلبين.

XIII
الأب البدائي لم يكن سوى حارس الكهف. في يده رمحٌ من حجر، حوله تحوم الأفاعي، وفوقه ينعق الغراب. الداخل للأمومة، والخارج للحراسة. ومن تلك الثنائية وُلدت السلطة، مقسمة بين حنانٍ حبيس وظلٍ من حديد.

XIV
مع المدن الأولى، زرعت الأشجار في الساحات: الزيتون، النخيل، السرو. تحت ظلالها كُتبت الأنساب على الطين. الاسم الثلاثي صار سلسلة حديدية تُجرّ في الأسواق والمعابد. كل فردٍ غصنٌ في شجرةٍ لا خيار له في جذورها.

XV
كلما تراكمت الثروات، تراكمت السلاسل حول المرأة. صارت الأنثى أشبه بشجرة تينٍ مربوطة في ساحة القبيلة، ينتظر الجميع ثمرها. رحمها لم يعد لها، بل مخزنًا لأنساب الآخرين، وكأن الأفعى التهمت حريتها وتركتها مجرد وعاء.

XVI
ثم جاءت الدولة، كالذئب الأكبر، تحرس نسبها بجيشٍ من الضواري. الجيش نفسه شجرة عائلةٍ أوسع، تتفرع فيه الأسماء إلى رتبٍ وامتيازات. ما كانت النار البدائية أصبح قانونًا، وما كان الغراب فردًا صار مؤسسةً تنعق باسم النظام.

XVII
ومع كل هذا الخراب الوراثي، يبقى السؤال: هل العائلة قدرٌ منقوش في أحافير الديناصورات، وصوت الغراب، ولسعة الأفعى؟ أم أنها شجرة يمكن قطعها وزرع غابة جديدة من الطيور الحرة؟ ربما يكون التحرر الحقيقي هو النزول من هذا الجذع الموحش، كي نؤسس غابةً لا تعرف الذئب سيدًا، ولا الغراب قاضيًا، ولا الأفعى حارسة للدم.
 

 Genetics
I
الدم يسري في شرايين الوراثة كعاصفة لا تهدأ كأنها نبضات جسدٍ واحدٍ يصرخ تحت جلود التاريخ نقرأ الجينوم ونحسب الطفرات ونختزل الحياة إلى شيفرة نلمسها بأصابع العلم ونشم رائحة المستقبل في الحمض النووي والغراب يراقب الأفعى تدور حول الشجرة العتيقة ونحن نتساءل هل نحن مجرد سلالات أم أساطير حية

II
كل خلية فندق للأرواح الصغيرة كل بروتين حكاية عن جيناتٍ أرادت أن تكون مصيرًا والكروموسومات تتشابك كعشاق في سرير التجربة والعقل الحديث يخطّ الطفرات على الورق ويحسب الاحتمالات والحداثة العربية تقول: لا تقتصروا على التسلسل فقط اعتبروا التاريخ والغربة والجنس والثقافة جزءًا من الحمض النووي

III
التعبير الجيني يشبه قبلة في الظلام تتسلق الجسد وتوقظ النبضات الخفية كل تعديل في الكود هو خيانة أو ولادة أو حلم لا يُرى كل مشروع علمي يسعى لتحويل البشر إلى خرائط وأرقام والحداثة تقول: لا يمكن اختزالنا في قواعد باردة نحن رغبات وأحلام ودماء متدفقة عبر الأزمنة

IV
نحن نحفر في الحمض النووي كما نحفر في ذاكرة المدن والقرى كل جين له قصة كل طفرة تهمس: كن حذرًا فالوراثة ليست مجرد قواعد بل شهوة للمعرفة والجسد يصرخ في المختبر واللغة تذوب بين الورقة والآلة ونرى أن مشروع الحداثة العربية يحذر: العلم بلا أخلاق مجرد سيفٍ على رقابنا

V
الأمواج الجينية تضرب صخور المجتمع كل تعديل يغيّر المعايير كل اكتشاف يفتح أبواب الغرائز المختبئة كل خلية مختبر تصبح مسرحًا لكل ما نرغب أن نفهمه لكن لا نفهمه كليًا والحداثة تقول: يجب أن يكون النقد حاضرًا في كل تجربة وأن تكون الفتنة الحسية جزءًا من فهمنا للوراثة

VI
النسل ليس مجرد نسخة من الأب والأم بل مشروع مستمر من التجارب والخبرات واللغة والجسد والخطيئة والخير والشر كل جين يسأل: من أنا في ظل المدينة والأسرة والمختبر نحن سلالات وشهوة ومفارقات لا تنتهي

VII
الكروموسومات تتمايل كراقصات في حفلة دموية كل بروتين يتحرك كحلم شهواني كل الحمض النووي يبوح بأسرار العائلة والجنس والثقافة والموت والحداثة تقول: إن فهم الوراثة هو فهم الإنسان كاملًا وليس مجرد دراسة علمية بل تجربة حسية وفكرية وجنسية

VIII
التحليل الجيني يصبح استمناء معرفيًا كل نتيجة هي نشوة أو صدمة كل طفرة هي متعة أو خوف كل خلية مختبر تصبح حقل تجربة للجسد والفكر والحداثة تقول: لا تقتصر على التجربة الكمية بل اعتبر البعد الثقافي والاجتماعي جزءًا من الوراثة

IX
الوراثة السريرية تفتح أبواب الجحيم كل مرض وراثي هو لوحة عن الحب والخيانة والخوف واللذة كل تحليل دم يصبح نصًا شهوانيًا كل تجربة علمية تصبح حفلة تتماوج فيها الجينات والجسد والحداثة تقول: المعرفة يجب أن تكون نقدًا للحياة وليس مجرد أرقام

X
الجينات متعددة الأبعاد كالعواصف كل تفاعل كل طفرة كل تعبير جيني يصبح موسيقى للجسد والفكر كل بروتين يسافر بين التاريخ والأسطورة كل تجربة وراثية تصبح نصًا شعريًا شهوانيًا والحداثة العربية تقول: كل علم هو نقد لمجتمعنا وكل تجربة حسية هي تجربة اجتماعية

XI
الحمض النووي يتلوّى كأفعى في المختبر كل تسلسل يفتح بوابة إلى الشهوة والخطر والمعرفة كل تحليل يصبح احتفالًا بالجسد والعقل وكل الوراثة تصبح ملحمة والفكر الحديث يقول: لا تقرأ الوراثة كعلم فقط بل كفن ونقد للحياة

XII
الحداثة العربية تقول: إن كل تجربة وراثية هي اختبار للإنسانية كل تعديل جيني يجب أن يحمل وعيًا أخلاقيًا ثقافيًا وحسيًا كل بروتين يبوح بما لا يمكن للغة التعبير عنه كل الجينات تصبح قصائد ونحن نقرأها كفلسفة جسدية

XIII
الكروموسومات كالعشاق تتشابك في الظلام كل خلية مختبر تصبح مسرحًا للجنون والشهوة كل تحليل يصبح رقصة كل طفرة تصبح نغمة كل علم وراثي يصبح تجربة حسية ونقدية في آن واحد

XIV
التعبير الجيني يشبه صرخة أو همس أو قبلة كل تسلسل يحكي عن القوة والضعف والموت والحياة كل الخلايا تهمس بالجنس واللغة والتاريخ والحداثة تقول: الفهم الكامل للوراثة هو فهم شامل للإنسان لا مجرد بروتينات

XV
الجينات تتراقص في مختبرات العقل كل اكتشاف يفتح باب الشهوة والمعرفة كل طفرة تحمل سؤالًا أخلاقيًا وجماليًا كل الحمض النووي يصبح نصًا شعريًا كل الوراثة تصبح نقدًا للحياة والفكر والمجتمع

XVI
نحن نتلمس الخيوط الوراثية كالعشاق في الظلام كل تحليل دموي يصبح قصة حب أو موت كل تعديل يصبح صرخة في الليل كل الجينات تصبح صورًا شهوانية والنقد العربي الحداثي يقول: لا يمكن فصل العلم عن المجتمع والجسد والفن

XVII
الوراثة ليست مجرد علم بل تجربة حسية وفكرية واجتماعية وشهوانية كل خلية مختبر تصبح كتابًا مفتوحًا كل تسلسل يصبح ملحمة كل بروتين يصبح صوتًا وكل الجينات تصبح نصًا شعريًا نقديًا مليئًا بالحداثة والشهوة والحساسية .

سيرة البراكين
في البداية لم يكن سوى فمٍ مفتوحٍ من نار
الأرض تتنفس كأنها امرأة في لحظة انكشاف
البركان ينهض من فخذين ملتهبين
ويصرخ في وجه الفراغ:
هنا يبدأ التاريخ، هنا يولد الجسد من حممٍ خامدة
لا أحد يخرج من رحمٍ بارد

حين سقطت الصاعقة الأولى
اهتزت الجبال كأردافٍ في رقصة محمومة
وتشقق البحر عن نهدين أزرقين
الرعد يلهث مثل عاشقٍ سكران
والأرض تنزف شهواتها في الصخور
هكذا عرف الإنسان أن السماء ليست بريئة

الزلازل كتبٌ متحركة
صفحاتها عظام المدن
وأحبارها دماء الأنهار
الشقوق سريرٌ فظيع للجغرافيا
والقارات لحمٌ يتشقق من رغبةٍ محمومة
كل اهتزاز جماعٌ جديد بين الأرض ونفسها

المحيطات أرحام سائلة
تتثاءب على جسدها الحيتان
وتلعق الشواطئ مثل ألسنةٍ متلهفة
كل موجة قبلة
كل غرق لذة مطمورة
هكذا تعلم البشر أن الماء أكثر جسدية من الدم

الرعد قُبلة مسروقة من فم السماء
البرق لحظة انكشاف فاضح
الغمام سريرٌ معلّق
حين يتلاقى البرق والرعد
ينزل المطر كمنيٍّ متدفق
فتخضر الحقول كأفخاذٍ مفتوحة

كل بركان حكاية لذة
كل زلزال رواية جماعٍ عميق
كل محيط نشوة ممتدة
لكن البشر زيفوا الأسطورة
قالوا: هذه قوة الطبيعة
ولم يقولوا: هذه شهوة الأرض

في الكهوف الأولى كان الإنسان يراقب
الحمم تسيل مثل عرقٍ ساخن
والزلازل تفتح الأرض كفرجٍ عارٍ
تعلّم أن النار جسد
وأن الماء جسد
وأن التراب جسد
وأنه لم يكن يومًا خارج هذا الجسد

حين انفتحت البحار على بعضها
كان المشهد فجورًا كونيًا
الأمواج تحتك كأردافٍ متقابلة
الرعود تصرخ كعذارى متمرّدات
والجزر الصغيرة أولاد زنا للمد والجزر
لا أحد استطاع أن يكتب نسبها

المدينة التي تنهار ليست إلا جسدًا يتعرى
الجدار الذي يسقط ليس إلا ظهرًا ينحني
الطريق المتشقق لسانٌ يلهث
الزلازل تعرّي كل شيء
حتى المعابد تصبح أجسادًا في قيد التفتت
والبشر شهودٌ عراة على نشوة الخراب

كل بركان خامد ينتظر لمسة
كأن الأرض عاهرة عجوز
تخفي حممها تحت تنانيرٍ من صخور
لكنها تعرف: سيأتي عاشق
سيقبّلها بزلزالٍ أو بصاعقة
فتعود إلى الحياة فجأة

المحيط يفتح ساقيه بلا نهاية
الموجاتُ تنهض كأفخاذٍ من رغوة
القروش تتلوى كأفاعٍ في غرفةٍ مظلمة
والغواصون شهداء اللذة المائية
كل سفينة مهزومة عريسٌ يبتلعه البحر
ويتركه في فم الصدف

الرعد لا يضرب مرتين صدفة
إنه يكرر اللذة حتى يصل إلى النشوة
البرق لا يومض اعتباطًا
إنه ومضة جسدٍ يعرّي نفسه للحظة
كل عاصفة نزهة جنسية بين السماء والأرض
كل غيمة شهوة مؤجلة

حين انهارت القارة الأولى
لم يكن ذلك كارثة
كان ولادة جديدة من رحمٍ أوسع
كان جسد الأرض ينقسم مثل خليةٍ عاشقة
القارات بنات سفاح
لكنهن أجمل من أي سلالة نقية

الزلازل تضحك من خرائط الجغرافيا
البراكين تضحك من نظريات التاريخ
المحيطات تضحك من قواميس النقاء
الكل يعرف أن الحضارة ليست إلا ثمرة فجورٍ بدائي
كل تمثال حجرٌ قُذف من رحم زلزالي
وكل قصيدة صدى لحممٍ محترقة

الإنسان لم يرث من الطبيعة عقلًا فقط
بل ورث شهوتها الخامدة
ورث الرغبة في الانفجار
ورث جسدًا يرتجف كأرضٍ على وشك الانقسام
ورث لذّة النار والماء والطين
ولم يعرف كيف يروضها

في النهاية لا يبقى سوى الجسد
البركان جسد
البحر جسد
الرعد جسد
والإنسان جسد
وكلها تشتعل في ليلٍ أبدي
لا يفرق بين اللذة والخراب
___
يتبع

يوليو 2002م
مكتبة كلية الطب والعلوم الصحية - القضارف


تعليقات

  1. يا مصعب القصيدة دي نزله ، انت قاعد تنسى وعداتك

    ردحذف
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  3. أنيس الزمان المبدد كالنرد علي طاولة الوقت،،ياسلام

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة