ديوان : طيور أوغردات

طيور أوغردات 

مصعب الرمادي

طيور أوغردات

حكايات

________________

الكتاب : طيور اوغردات   

الكاتب : مصعب الرمادي
تاريخ الطبع : سبتمبر 2025م

حقوق الطبع والتأليف محفوظة للمؤلف
_______________________

الحكاية الأولى : قُبلة على الرصيف 
وقف الشاعر السوداني المتشظي، يلعق أطراف قصيدته مثل طفل جائع.
سابا، الفتاة العفرية السمراء، مرّت حاملة جرار الماء.
ضحك وقال لها: "هنا، على رصيف القطار، كل لغات الدنيا تتشاجر… إلا قبلة منك، فهي سلام عالمي."
ضحكت، وضربته بالجرة على كتفه: "Hنت ممحون أكثر من الجنود الإيطاليين في بار الكولونيا!"
اليمام حطّ بينهما كأنه شاهد رسمي على المزاح.
أحد الجنود نظر إليهما بغيرة وغمغم: Amore nero.
لكن سابا ردّت عليه بالعربية المكسّرة: "الحب ما عنده لون… عنده حرارة."
فتحوّل الرصيف إلى فرشة ملونة من الطيور، والقصيدة ارتفعت مثل دخان قهوة في فجر أوغردات.

الحكاية الثانية : المانجو العجيب
جلس الشاعر مع سابا تحت شجرة مانجو عند باب المحطة.
ناولها ثمرة ناضجة وقال: "هذا ليس مانجو، بل ثديك الآخر."
قهقهت حتى انسكب العصير على شفتيها.
"يا ممحون!" صاحت وهي تمسح فمها بطرف ثوبها.
مرّ بائع أرمني يبيع الصليب الفضي وقال ساخراً: "أنتم تُقدّسون المانجو أكثر من القديسين."
رد الشاعر: "المحبوبة هي الإنجيل الوحيد الذي أؤمن به."
ابتلعت سابا قطعة مانجو وقالت: "أوغردات كلها جسدي، لكنك تضيّع وقتك في الرصيف."
فصرخ العندليب من فوق الشجرة، كأنه يترجم كلامها إلى لغة الطيور.


الحكاية الثالثة : صافرة القطار الشهوانية
أطلق القطار صافرته، فارتجف الرصيف مثل جسد عروس في ليلة الدخلة.
الشاعر ضحك وقال: "هذا الحديد أشد توتراً مني حين أراك."
سابا غمزت بعينها: "إذن القطار يشتهي السودان أكثر منك!"
الجنود الإيطاليون تدافعوا إلى العربات، يسبّون بلغتهم.
لكن أطفال البني عامر ظلّوا يركضون بجانب العربات، يغنون بالعربية: "يا قطار ودّينا كسلا."
الشاعر مد يده، فصفعته سابا ضاحكة: "لا تلمسني هنا، اليمام يفضحنا."
فأجاب: "اليمام حليفنا… هو الوحيد الذي يبرّر جنوني."
وانطلقت القافلة، لكنها تركت وراءها رائحة شهوة ومانجو مهروس على الرصيف.

الحكاية الرابعة : جدل اللغات
جلس الشاعر يترجم شعره لسابا: مرة بالعربية، مرة بالتجرينية، مرة بالإيطالية الركيكة.
ضحكت وقالت: "كلما غيّرت لغتك زاد شبقك."
رد: "الحب يحتاج ألف لغة ليعترف بحقيقة واحدة."
رجل يوناني عجوز مرّ وهو يقول: "الحب يوناني الأصل يا ابنتي."
لكن امرأة من البلين صاحت: "كذّاب! نحن من صنعناه تحت أشجار التين."
سابا نظرت للشاعر وقالت: "الحب مثل أوغردات… كل قبيلة تدّعي ملكيته."
فكتب على كفها: "إذن أنا لست شاعراً، أنا لصّ يسرق لغات العالم ليصف جسدك."
وانهارت الحكاية بضحكات صافية مثل ماء الجِرار.

الحكاية الخامسة بائع القهوة
جلسا أمام بائعة قهوة من التجرية، تفوح منها رائحة البن اليمني.
قال الشاعر: "القهوة هنا تشبهك… سوداء، ساخنة، تلسع القلب."
ضحكت سابا: "لكنها مرة، وأنا حلوة."
أضافت البائعة: "الحب لا يكتمل بلا مرارة يا ولدي."
دخل جندي إيطالي يطلب قهوة بالحليب، فسخرت سابا: "حتى القهوة يريدها مستعمرة بيضاء!"
الشاعر صفّق وقال: "أوغردات تضع المستعمر في فنجان صغير وتبتلعه."
فانفجر المقهى بالضحك، والطيور تزاحمت على الرصيف تبحث عن فتات الكعك.
ثم اقتربت سابا من أذنه وهمست: "أنا القهوة التي لن تعرف كيف تنتهي منها."

الحكاية السادسة : الحمار و القصيدة 
كان شاعرنا يتلو قصيدة عن جسد سابا.
فجأة مرّ حمار مربوط بعربة مانجو، فتوقّف ونظر إليه باستغراب.
سابا انفجرت بالضحك: "حتى الحمير تسخر من شعرك!"
قال: "الحمار وحده يفهم أن جسدك قصيدة غير مكتوبة."
اقترب الحمار أكثر، مد رأسه نحوها، وكاد يعض ثوبها.
صرخت: "حتى البهائم ممحونة في أوغردات!"
ضحك الناس حولهما، والجندي الإيطالي سجّل المشهد في دفتره كأنه خبر استخباراتي.
أما الشاعر فكتب بيتاً جديداً: "في أوغردات، حتى الحمير تشتهي النساء مثل الشعراء."

الحكاية السابعة : لعبة الطيور 
جلسا يعدّان الطيور التي تحوم فوق المحطة.
سابا قالت: "إن وصلتَ إلى خمسين، سأقبلك."
بدأ يعد: بلبل، عندليب، يمام، وروار… حتى وصل إلى تسعة وأربعين.
لكن فجأة طار طائر لم يعرف اسمه، فتوقف.
ضحكت: "فشلت! القبلة ممنوعة."
فقال: "سأخترع له اسماً: طائر سابا الشهواني."
فصفق الأطفال من حولهم، وطار الطائر كأنه يوافق على التسمية.
عندها فاجأته بقبلة سريعة: "حتى الطيور تعرف أني أحبك."

الحكاية الثامنة :صراع المانجو و البرتقال   

في السوق، وقف بائع مانجو بجانب بائع برتقال.
الأول قال: "مانجو أوغردات أجمل من أي امرأة."
الثاني رد: "البرتقال من مصوع أشهى من أي قبلة."
الشاعر تدخل: "لكن سابا تجمع المانجو والبرتقال في جسد واحد."
ضحكت سابا: "أنا سوق كامل يا حبيبي."
فأهدى البائعان ثمارهما لهما.
مرّ جندي إيطالي وقال: "أنتم أغرب من رواية شكسبير."
فرد الشاعر: "لا… نحن رواية لم يجرؤ شكسبير على كتابتها."
وانهال السوق بالضحك والصفير، بينما الطيور نزلت تلتقط قشور الفاكهة.

الحكاية التاسعة :  ظل العفر
بينما جلسا، ظهرت مجموعة من رجال العفر بملابسهم التقليدية.
سابا أشارت إليهم بفخر: "هؤلاء أهلي… الصحراء تمشي في دمهم."
الشاعر وقف وقال: "إذن أنا عفر بالحب، لأني صحراوي بلا وطن."
ضحك أحدهم: "إذن أنت ممحون عالمي."
صفقوا له بحرارة، وقدموا له لبناً طازجاً.
سابا همست: "العفر لا يعطون اللبن إلا لمن يعتبرونه واحداً منهم."
ابتسم: "إذن زواجي منك صار واجباً."
فردت بخبث: "تزوج اللبن أولاً."

الحكاية العاشرة  : قصيدة القطار
حين انطلق القطار إلى كسلا، كتب الشاعر قصيدة على عرباته:
"يا قطار خذ جسدي معك، واترك روحي مع سابا."
ضحكت هي وقالت: "أنت أسوأ من أي متسول في الرصيف."
لكن الجنود الإيطاليين قرؤوا القصيدة وأخذوا يتهامسون.
أحدهم قال: "هذا السوداني يشعل الثورة بالكلمات."
ابتسم الشاعر: "الثورة تبدأ من قُبلة على رصيف."
فصفق الركاب، والطيور حلقت فوق العربات مثل رايات استقلال.
أما سابا فأمسكت يده وقالت: "أنت ممحون… لكني أحبك."

ة الحكاية الحادية عشرة : ثوب سابا الطائر
في صباح ملوّن، ارتدت سابا ثوباً أزرق مزركشاً بالنجوم.
قال لها الشاعر: "هذا ليس ثوباً… هذا سماء تمشي على الأرض."
ضحكت وهي تلوّح بثوبها، فانطلق الهواء فجأة فرفرف كأنه جناح طائر.
صرخ أحد الأطفال: "انظرو! سابا صارت طيراً!"
الجنود الإيطاليون توقّفوا عن لعب الورق ونظروا بدهشة.
سابا مالت على أذن الشاعر: "هل تقبلني وأنا طير؟"
قال وهو يلهث: "سأبني عشّاً فوق صدرك."
فطار ثوبها أكثر حتى غطّى الرصيف كله، وصار كل العشاق طيوراً تحت سماء واحدة.

الحكاية الثانية عشرة : عرس الماعز
اقترب قطيع ماعز من الرصيف، يقوده راعٍ من البني عامر.
واحدة من الماعز اقتربت من سابا وبدأت تدور حولها.
ضحك الشاعر: "الماعز أيضاً مغرمة بك!"
رد الراعي: "هذه الماعز لا تقترب إلا من مَن ستتزوجه."
صفق الناس وقالوا: "سابا عروس الماعز!"
صرخت وهي تضحك: "أنا لا أتزوج إلا شاعراً ممحوناً!"
فأمسك الشاعر قرن الماعز وقال: "إذن أنا ولي أمرك يا ماعز."
انفجر الرصيف بالضحك، والطيور صارت تزغرد مثل نساء في عرسٍ عجائبي.

الحكاية الثالثة عشرة : قنينة النبيذ الضائعة
بينما كان الجنود الإيطاليون يفرغون حمولة القطار،
سقطت قنينة نبيذ على الأرض وتدحرجت نحو قدمي الشاعر.
التقطها بسرعة وأعطاها لسابا: "هذا دمي… اشربيه."
شربت جرعة صغيرة وقالت: "طعمه يشبه قبلتك الأولى."
الجنود صرخوا: "أعد لنا النبيذ أيها المجنون!"
فرد الشاعر: "لقد صار جزءاً من جسد حبيبتي."
ضحك الجميع، حتى الضابط الإيطالي الذي قال: Viva l’amore!
فامتلأت المحطة بنشوة غريبة، كأن كل شخص شرب من فم سابا دون أن يقترب منها.

الحكاية الرابعة عشرة : رسالة إلى كسلا  

جلس الشاعر يكتب رسالة إلى أصدقائه في كسلا:
"وجدت في أوغردات امرأة أجمل من كل القصائد، اسمها سابا."
لكن الطيور خطفت الورقة من يده وطارت بها.
صرخ: "الطيور سرقت أسراري!"
فضحكت سابا: "إنها سعاة بريد السماء."
بعد لحظة، عاد يمام ومعه ريشة ملطخة بحبر،
كُتب عليها: "كسلا تشكر أوغردات على هديتها."
فمدّ الشاعر يده نحوها وقال: "إذن صرتِ برقية بين وطنين."
أجابت: "وأنت ممحون بلا حدود."

الحكاية الخامسة عشرة : نهاية الصباح 

  مع آخر ضوء للفجر، امتلأ الرصيف بالضحكات.
الباعة جمعوا بقايا المانجو، الأطفال لحسوا العسل المسكوب،
الجنود الإيطاليون عادوا لعرباتهم يتهامسون عن المجانين السودانيين والنساء العفريات.
سابا أمسكت بيد الشاعر وقالت: "اليوم مرّ كحلم."
أجابها: "كل صباح في أوغردات هو كتاب جديد."
فقالت بخبث: "وماذا عن الليل؟"
تلعثم وقال: "الليل… قصيدة لا تُقرأ إلا في سرير واحد."
فصفقت الطيور بأجنحتها، وانطلقت القافلة نحو السودان،
بينما أوغردات ابتسمت كأنها أنثى تعرف أن أسرارها لن تنتهي أبداً.

______

سبتمبر 2025م

 قرية أم قلجة  -  القضارف 

تعليقات

المشاركات الشائعة