ديوان : ندوة الفاىشر

ندوة الفاشر

مصعب الرمادي

ندوة الفاشر  

________________

الكتاب :  ندوة الفاشر   

الكاتب : مصعب الرمادي
تاريخ الطبع :سبتمبر  2025م

حقوق الطبع والتأليف محفوظة للمؤلف
_______________________

 حصار الفاشر
(١)
في محطة دينار، بجوار القلعة، أذكر عمتي التومة…
رحيلها لا يزال يترك خيوط الضوء في أزقة الخرطوم.
هنا، حيث الطمي يكتنز الذاكرة، وأنا الرعوي المتحضر أحصي فشلي،
أرى المدينة بعد التحرير، تتحرك كطفلةٍ تبكي فرحها في منتصف الليل.
(٢)
في مايو، وفي أيام الإنقاذ الوطني، لم أستطع أن أستعيد شيئًا…
ولا الثورة، ولا الخرطوم.
كل شيء صار خرابًا، والدموع صارت لغةً رسمية، والفرح سرابًا.
(٣)
أرى عمتي التومة في المنام…
تمشي بين عربات الركام، وتضحك، وتخبرني أن الخرطوم ليست مدينةً… بل نهرٌ يتحدث بأسماءنا.
(٤)
في الفاشر، السلطان على دينار يحفر التاريخ في الأرض،
يحمي الممالك القديمة، ويكتب على الحجارة ما لا يقوى الجنجويد على محوه.
تتوالى العصور على جسده، وهو صامد…
كما لو أن المدينة نفسها كانت قلبه.
(٥)
أرى الخرطوم في الليل، وقلبي في محطة دينار…
يتذكر الخيبات، ويستعيد البطولات الصغيرة:
نساء حملن الماء، أطفال كتبوا أول حروف الحرية على الجدران.
(٦)
الجيش السوداني يخطط على الخرائط،
يحرض ما تبقى من الأرض في كردفان ودارفور،
يقسم المهام بين الجبال والسهول،
ويعرف أن النصر ليس سيفًا، بل صبرًا ونورًا يبزغ بعد الخراب.
(٧)
في المنام، تتحرر زالنجي ونيالا، الجنينة والضعين…
الحقول تنبض بالحياة من جديد،
والأطفال يجرون خلف الشمس، والأمهات يزرعن الفرح بين الركام.
(٨)
أرى نفسي في محطة دينار، أصغي للخرطوم وهي تروي قصصها:
كل شارع هنا له اسم، وكل اسم له جرح، وكل جرح له أغنية…
وأغنية عمتي التومة ما تزال تعلّمني كيف أستعيد الحلم.
(٩)
الليل في الفاشر لا يهدأ، لكنه يروي الأبطال القدامى،
السلطان على دينار يبتسم في الحجر، ويهمس:
"كل حصار هو فرصة لتولد الأسطورة".
(١٠)
أحلم بخطط الجيش كما لو كانت خرائط ضوء،
تنساب فوق الرمال، وتحمل المزارع والأنهار،
وتعيد للأرض ما سلبه الجنجويد من حياة.
(١١)
في الخرطوم بعد التحرير، أرى المدينة كطفل نائم،
أحرسه من بين الركام، وأستعيد صدى أصوات من رحلوا،
وأحكي لهم عن تحرر الفاشر، وعن زالنجي ونيالا والضعين…
(١٢)
محطة دينار تحمل ذكرياتنا،
تحتفظ بالفشل، وتكتب على الجدران:
"الحرية ليست وعدًا، بل حلمًا يولد من كل خسارة،
ومن كل حصار، ومن كل دمعةٍ لعمةٍ رحلت".
(١٣)
وعند الفجر، أقف بين الخرطوم والفاشر،
أرى نور الشمس يغسل الخراب، ويزرع بين الركام زهورًا جديدة،
وأدرك أن التاريخ، كما السلطان على دينار، صامدٌ…
وأن الوطن، رغم كل شيء، يولد من جديد مع كل حلم لا يموت .

______

سبتمبر  2025م

مركز دراسات السلام وفض النزاعات  - جامعة الفاشر 

تعليقات

المشاركات الشائعة