ديوان : ليس لكم

ليس لكم  

مصعب الرمادي

ليس لكم    

________________

الكتاب :  ليس لكم  

الكاتب : مصعب الرمادي
تاريخ الطبع : سبتمبر 2025م

حقوق الطبع والتأليف محفوظة للمؤلف
_______________________

مع الإسكافي
I
كان الإسكافي يطرق المسامير فوق نعالٍ قديمة، وكل طرقة تتردّد كبيان سياسي في مقاهي القضارف، حيث القصائد لا تنشر في الصحف بل في الغبار الملتصق على أرداف المارة.

II
تمرّ السيدات بأحذيتهن العالية، كأنّهن يختبرن صلابة الأرض، وهو يقرأ تشققات الجلد مثلما يقرأ الناقد تصدّعات النص، فيرى أن الواقعية الاشتراكية ليست سوى رقعة جلد إضافية تمنع انكشاف الأصابع.

III
النعال الممزقة تعكس التفاوت الطبقي، أما كعوب النساء اللامعة فتفضح المسافة بين الشعر والفقر، بين خطاب الحزب وحرارة الجسد العابر على الرصيف.

IV
حين يمد يده ليلصق كعبًا مكسورًا، يتذكّر أن الرواية السودانية في القضارف لم تُكتب إلا بمسامير، وأن النقد الأدبي ظل حرفةً مشابهة: تلصيق الكلمات على فراغات أيديولوجية.

V
النساء اللواتي يتركن أحذيتهن عند دكّانه، يتركن أيضًا شيئًا من أصواتهن، عطرهن، قلقهن، فيتحوّل المكان إلى أرشيف غير مكتوب لواقعية جسدية، لا تفقهها بيانات النقابة.

VI
كل مسمار يطرقه في الجلد المستعمل، يذكّره ببيان ماركسي مترجَم على ورق رديء، كل مسمار يثبت معنى، ويهدم خيالًا، كأن الواقعية الاشتراكية تصرّ أن الشعر يجب أن يمشي على قدمٍ صناعية.

VII
في عينيه بريق تواطؤ: يعرف أن الحذاء الممزق سيعود ليمشي، لكنه لن يغيّر العالم، يعرف أيضًا أن الشعر، مهما غلّفوه بالمصطلحات، سيظل يلهث خلف الفخذ المكشوف على قارعة السوق.

VIII
إحدى السيدات تركت حذاءها الأحمر عنده أسبوعًا كاملًا، وكان يلمسه كأنه يلمس نظرية جمالية معلّقة بين الرغبة والثورة، بين النص واللحم، بين الحزب والجسد.

IX
أحذية الرجال تمرّ باهتة، متعبة، باردة، بينما أحذية النساء تشعّ مثل بيانات منشورة سرًّا على جدران المدينة، لذلك كان يبتسم كلما حاولوا إلزامه بقوانين النقد الواقعي: هو لا يعرف القوانين، يعرف فقط الكعب العالي.

X
في المساء، حين يغلق دكّانه، يجمع بقايا المسامير والجلود، كما يجمع الشاعر بقايا الاستعارات التي لم تمرّ عبر الرقابة، فيدرك أن إصلاح العالم أصعب من إصلاح نعلٍ مثقوب.

XI
كان يقول لنفسه: الواقعية الاشتراكية تتحدث عن الإنسان الجديد، لكن ماذا عن المرأة التي تركض بحذاء مثقوب خلف حليب أطفالها؟ أليس جسدها المتصبب عرقًا أصدق من كل جدليات الحزب؟

XII
يضحك حين يتذكّر مقالات النقاد في الخرطوم: عن الأدب الملتزم، عن الطبقة العاملة، عن الصراع الطبقي؛ بينما هنا، في القضارف، يلتزم الحذاء بالقدم، ويلتزم الجسد بالطريق، ويلتزم الإسكافي برائحة العرق.

XIII
وعندما ينتهي الليل، يجلس وحيدًا أمام دكّانه، يشعل سيجارة رديئة، ويهمس: ليست لكم واقعية تكتبونها من مكاتبكم. هنا، تحت قدمي النساء المثيرات، يُكتب الأدب الحقيقي، ويُصلح المستقبل بمسامير الصدأ.

______

سبتمبر  2025م

حي المنارة  - القضارف  

تعليقات

المشاركات الشائعة