ديوان : مراسيل كاثرين

 مراسيل كاثرين 

مصعب الرمادي

مراسيل كاثرين

________________

الكتاب : مراسيل كاثرين  

الكاتب : مصعب الرمادي
تاريخ الطبع : سبتمبر 2025م

حقوق الطبع والتأليف محفوظة للمؤلف
_______________________

إلى صديقتي الإعلامية اللبنانية / كاثرين حنا 

_______________________________

 Palestine Action
في ضوء الصباح الذي لم ينكسر بعد، تسللت كاثرين بين أصوات المدن المنسية، تبحث عن رسائل تحاكي القلب قبل الورق، عن رائحة التراب الفلسطيني المختلط بالدخان والحرية، حيث تظل جدران القواعد العسكرية شاهدة على صمت العالم، وعلى يديها تتحرك حروفها كالسفن الصغيرة في بحر العتمة، تصرخ الكلمات بلا صوت، وتكتب حركة فلسطينية على أطراف الذاكرة.

كانت الأصابع ترتجف وهي تكتب على الجدران، ليست مجرد حروف، بل رياح ثائرة على قوانين القوة والظلم، حيث كل شعار يمزق خيوط الصمت الرسمي، ويوقظ الوعي الميت، كل طائرة مدنية أو عسكرية تتلقى رسائلها في شكل رسومات وشعارات، وحين تنظر كاثرين إلى السماء، ترى دموع الأرض تختلط بالغبار، وتعلم أن كل خطوة هنا فعل مقاومة لا يُحسب بعدد السنين.

في الليل، حين تغفو الشوارع، تختبئ الأصوات بين الظلال، تُنسج قصص الأسرى والمهجّرين، عن أطفال يحلمون بالعودة إلى بيوتهم، وعن أمهات لا تتوقف عن الصلاة، كل شارع يحمل أسرارًا تتسرب إلى أوراقها، وكل نافذة تفتح على حياة تتحدى الاحتلال، كاثرين تمشي بخفة تلمس أرواح الناس قبل أن تلمس الطريق، رسائلها تُخفيها في زوايا المدن، كأنها بذور تنبت بين القسوة والجدران.

الرياح تجرف حروفها أحيانًا، لكنها تعود أقوى، كل احتجاج وكل اعتصام وكل تدمير لمصانع الأسلحة يصبح سطرًا آخر في ملحمتها، كأن المدينة نفسها تتحرك على أنغام الصمود، والأصوات تتحد في لحن واحد، صوت فلسطين ينبض عبر كل سطر، كاثرين تتعلم أن المقاومة ليست مجرد أفعال، بل قصص تُروى للأجيال القادمة، عن الشجاعة، عن الإصرار، عن الحلم الذي لا يختفي.

أمام كل قاعدة عسكرية، كل مصنع، كل شارع في لندن أو بريستول أو أي مدينة، تقف كاثرين وتتأمل، ترى الأفق يبتسم للثوار، ترى شعارات فلسطين تُكتب على الزجاج والجدران، وتحمل في قلبها الأمل الممزوج بالخوف، الأمل الذي يدفعها لتكرار المحاولة، والخوف الذي يجعلها تتنفس بعمق، كل خطوة احتجاجية هي نبضة جديدة للحياة، وكل رسالة ملهمة هي انتصار صامت على آلة الحرب.

وفي الصباح التالي، حين تعود كاثرين إلى أوراقها، تجد أن المدينة لم تنسها، أن الناس بدأوا يتحدثون عن فلسطين، عن الصوت المهدور، عن الحق الذي لم يُعترف به، كل مقطع من هذه المدينة يصبح قصيدة، كل قطعة خرسانة تصبح حكاية، والرياح تحمل الأخبار من ساحة البرلمان إلى زوايا المقاهي، كأن العالم كله يستمع لصوتها الذي لا ينكسر.

الليل يعود مرة أخرى، لكن هذه المرة يحمل معه ذكريات الاعتقالات، وجوه المتظاهرين، أصوات الشرطة، كل هذه المشاهد تُسجل في دفترها، تُحوّل الألم إلى كلمات، والخوف إلى قصص بطولية، حتى أولئك الذين لا يعرفون شيئًا عن فلسطين يشعرون بصدى المقاومة، كل اعتقال يصبح شهادة، وكل حكم بالسجن يصبح حكاية أخرى تُضاف إلى ديوانها الملحمي، حيث الحق لا يموت، والعدالة لا تنتظر إلا من يستحقها.

تسير كاثرين في أزقة ضيقة، تلمس الجدران كما لو كانت تهنئها على كل شعار، على كل تحرك، على كل مرة استطاعت فيها أن تجعل العالم يسمع، الأصوات تتشابك مع الموسيقى الخافتة للشوارع، كل جملة تُكتب، كل رسالة تُرسل، كل فعل صغير يصبح جزءًا من قصة أكبر، قصة فلسطين التي تتجاوز الحدود، التي تعبر البحار، التي تجد نفسها في قلب كل إنسان يريد الحرية.

المقاومة ليست فقط في الشارع، بل في الفكر، في الكلمات، في الأوراق، في الرسائل الإلكترونية، في كل صورة تُنشر على الإنترنت، كل فعل رقمي يصبح صرخة، كل تعليق يصبح دعوة، كل مشاركة تصبح جسرًا بين الشعوب، كاثرين تدرك أن الحروب لا تُكسب بالسلاح وحده، بل بالإرادة، بالإبداع، بالقدرة على جعل العالم ينظر، على جعل الكلمات تتحرك قبل الأقدام، على جعل الصوت أعلى من الطلقات.

وفي نهاية اليوم، حين تهدأ المدينة، تسحب كاثرين دفترها، تكتب آخر السطور، عن أمل لا ينتهي، عن حلم لا يُمحى، عن فلسطين التي ستبقى في قلبها وفي قلوب كل من قرأ الرسائل، كل مقطع من ديوانها يصبح شهادة على الحياة، على الحرية، على المقاومة المستمرة، كل كلمة تكتبها هي خطوة أخرى نحو المستقبل، نحو عالم يقرأ ويستمع ويعرف أن فلسطين ليست فقط مكانًا على الخريطة، بل قصة تُروى وتُحيا في كل زمان ومكان.

 زهور زحلة
في أزقة زحلة الضيقة، حيث تتشابك الروائح بين القهوة الطازجة وأصوات الأطفال، تتفتح الزهور رغم الخراب، كأنها ترفض الانكسار، تحمل كاثرين دفترها وتخط سطورًا عن المدينة التي لا تعرف السكون، عن البيوت القديمة التي تتحدث بصوت الحجر، وعن النساء اللواتي يزرعن الأمل في كل زاوية، كل حرف يصبح نسمة تهب على أرواح العابرين، فتبتسم المدينة رغم الظلام.

تتجول بين الأسواق القديمة، تلمس الخشب والحديد، تشم رائحة الطحين والبهارات، كل بائع يحمل قصة وكل شارع يحمل حكاية، كأن الزهور تتفتح في الداخل قبل الخارج، وتغني المدينة أغانٍ لا يسمعها سوى من يكتب، تصطف كلماتها مثل البذور على الورق، وتعلم أن المقاومة يمكن أن تكون بلطف الألوان، بلطف الورود، بلطف الحياة التي تستمر رغم كل شيء.

في الحديقة المركزية، حيث تنحني الأشجار على الطرقات كما لو كانت تحرس المدينة، ترى كاثرين الأطفال يلعبون على المروج الصغيرة، يزرعون أحلامهم بين أقدام الكبار، كل زهرة تتحرك مع نسيم المساء، كل أوراق الشجر تهمس باسم المدينة، وكل خطوة عليها تصبح قصيدة صغيرة، كأنها تحمل رسالة خفية عن الصمود، عن الجمال الذي لا يموت حتى وسط الخراب والدمار.

المقاهي الصغيرة تصنع موسيقى خاصة بها، أصوات الأكواب والخطوات والضحكات تتداخل مع نغمات الطبول البعيدة، كأن المدينة نفسها تعزف سيمفونية الحياة، كاثرين تسجل كل لحظة، كل وجه، كل ضحكة، كل صوت يصبح سطرًا في دفترها، وكل دفتر يصبح شاهدًا على أن الزهور ليست فقط نباتًا، بل فكرة، حلمًا، مقاومة خفية تنمو في قلب زحلة.

في الليل، حين تغلق المحلات أبوابها، تتوه الأنوار بين النوافذ، وتصبح الظلال صديقة المدينة، كاثرين تمشي بين الأزقة المظلمة، ترسم على الجدران رسائل صغيرة، لا أحد يراها سوى من يعرف أن الجمال يكمن في التفاصيل، كل خط صغير يصبح شعارًا، كل كتابة تصبح صرخة هادئة، كل رسالة صغيرة تحمل وزن المدينة كلها، تحمل وزن الزهور التي لا تعرف الانكسار.

على طول النهر، حيث تعكس المياه أضواء المدينة، ترى كاثرين قوارب صغيرة تتحرك بلا ركاب، كل حركة تصبح رمزًا للحرية، كل انعكاس على الماء يصبح جزءًا من ديوانها، كل زهرة على ضفاف النهر تحمل سرًا قديمًا عن المدينة، عن الأطفال الذين يضحكون رغم كل شيء، عن الأمهات اللواتي تحرسن الأمل، عن الحياة التي تستمر رغم العتمة والصمت الطويل.

في الأزقة الخلفية، حيث يختبئ الماضي بين الطوب والجدران، تكتشف كاثرين رسومات قديمة على الجدران، حكايات الناس، أسرار المدينة، قصص الحب والخيانة، كل رسم يصبح مرآة للروح، كل جدار يصبح كتابًا مفتوحًا، وكل زهرة تتفتح على زاوية مظلمة، تصرخ أن الحياة لا تنتظر إذنًا، أن المدينة نفسها تحلم قبل أن يكتبها أحد، وأن الجمال يمكن أن يكون صامتًا لكنه حاضر بقوة.

تتوقف أمام باب قديم، تحمل على عتبة البيت زهرة صغيرة، كأنها رسالة للمالك الغائب، كل خطوة تصبح جزءًا من حركة المدينة، كل ورقة تسقط من دفترها تصبح شاهدًا على الزمن، على أن الماضي والحاضر يتشابكان مثل أوراق الشجر، كل زهرة تحمل صدى الأجيال، كل كلمة تحمل صدى الحكايات القديمة، وكل لحظة تصبح جزءًا من ديوان حي ينبض بالحياة.

في السوق الليلي، حيث تتحرك الأرصفة بخفة، تسمع كاثرين الموسيقى القادمة من بعيد، أصوات الجيتار والدفوف، ضحكات الناس، خطواتهم، كل صوت يصبح جزءًا من قصيدتها، كل نغمة تكتب نفسها على الورق، كل زهرة تحمل سرًا، كل نافذة مفتوحة تحمل حلمًا، وكل شارع يصبح قصيدة طويلة، كل بيت يحمل حكاية، والمدينة كلها تتحرك كنسق واحد من الألوان والصوت والحياة.

في منتصف الليل، تتوقف على جسر قديم، تنظر إلى المدينة من الأعلى، ترى الأضواء تتلألأ على النهر، ترى الزهور تنمو بين الشقوق، ترى الناس يمرون في صمت، كل حركة تصبح سطرًا، كل ظل يصبح حرفًا، كل لحظة تصبح قصة، كاثرين تكتب على الورق كما لو كانت تمسح الغبار عن الذاكرة، كل زهرة، كل شارع، كل نافذة تحمل رسالة عن صمود المدينة وجمالها الخفي.

في الحواري الضيقة، حيث تختبئ الأسرار، تسمع كاثرين همسات الناس، كل جملة تصبح جزءًا من تاريخ المدينة، كل كلمة تصبح صرخة صغيرة، كل ضحكة تصبح أملًا جديدًا، كل زهرة على الطريق تصبح شاهدة على استمرار الحياة، على أن الحب والأمل والمقاومة يمكن أن تنمو في أصغر الزوايا، وكل خطوة صغيرة تصبح جزءًا من ملحمة المدينة.

في الصباح الباكر، حين يملأ الضوء الأزقة، ترى كاثرين العمال يفتحون المحلات، الطيور تغني على الأسطح، كل شيء يبدو حيًا، كل زهرة تتفتح على نحو جديد، كل نافذة تحمل بقايا حلم قديم، كل شارع يصبح قصيدة متجددة، كل لحظة تصبح فرصة، وكل حركة للمدينة تحمل رسالة، كأن المدينة نفسها تكتب ديوانها على الورق وعلى قلوب من يعيشون فيها.

عند حافة المدينة، حيث تتلاقى الطرقات مع الطبيعة، ترى كاثرين الأطفال يلعبون في الحدائق، الأمهات يزرعن الورود، كل حركة تصبح جزءًا من قصة أكبر، كل زهرة تحمل سرًا، كل ضحكة تصبح حكاية، كل صوت يصبح لحنًا، المدينة كلها تتحرك في تناغم مع الحياة، وكل لحظة تصبح شهادة على أن الزهور ليست فقط نباتًا، بل مقاومة، حلمًا، وأملًا مستمرًا.

في الأزقة القديمة، حيث تختلط الروائح بالذكريات، تسجل كاثرين كل حدث، كل ملاحظة، كل حركة، كل زهرة تصبح جزءًا من دفترها، كل رسالة تصبح جزءًا من ديوانها، كل جدار يحمل قصصًا، كل شارع يحمل صوت المدينة، كل نافذة تحمل صدى الأجيال، وكل لحظة تصبح جزءًا من ملحمة حية، ملحمة زحلة التي لا تعرف السكون.

وأخيرًا، حين تغرب الشمس على المدينة، تجمع كاثرين دفاترها، ترى الزهور تتأرجح على النوافذ، تسمع الضحكات والهمسات، كل شيء يصبح سيمفونية من الألوان والأصوات، المدينة كلها تنبض بالحياة، بكل زهرة وكل نافذة وكل شارع، كل لحظة تصبح قصة، وكل قصة تصبح جزءًا من ديوانها، ديوان "زهور زحلة"، شهادة على الصمود والجمال والأمل الذي لا يموت.

______

سبتمبر 2025م

 السفارة اليونانية -  الخرطوم

تعليقات

المشاركات الشائعة